Sunday, April 21, 2013

ربيع لبنان يبدأ بـ «عرس»
هي المرة الأولى التي يقدم فيها شابان على عقد زواجهما مدنيا لدى كاتب عدل في لبنان محاولين الإفادة من ثغرة قانونية بعد أن وضع المشرع اللبناني الأحوال الشخصية في عهدة رجال الدين الذين تسيطر عليهم الطبقة السياسية الطائفية. وتشكل خطوة العريسين نقطة مفصلية في مسار العمل المدني والعلماني الديمقراطي في البلاد. وفي حين أن الزواج المدني لا يعني العلمنة الديمقراطية بكليتها، بل هو وجه من وجوهها، أو بالأحرى وجه من وجوه علمنة الأحوال الشخصية، إلا أن الخطوة التي أقدم عليها العريسان اللذان ينتميان إلى الطائفة نفسها تعبر عن رفض المجتمع المدني، ليس للنظام الطائفي السياسي في لبنان فقط، بل للنظام الطائفي في لبنان بكليته على الصعد الإجتماعية والسياسية والتربوية..
وفي الواقع فإن هذه الخطوة لم تك منفصلة عن جملة من التطورات والتغيرات التي حدثت في البلاد، ولن تكون مفصولة عن جملة من التطورات والتغيرات التي ستضرب لبنان. حيث أن الحراك المدني نضج إثر إنسحاب الجيش السوري من البلاد وما نجم عن هذا الإنسحاب من تقلص في فرض الهيمنة من النظام السوري الذي سعى إلى الحفاظ على التركيبة الطائفية بتوازناتها، وقد أدى الخروج السوري إلى تعرية القوى السياسية المتصارعة في البلاد، خصوصا الطائفتين السنية والشيعية، إذ لم تنجحا في الإتفاق على تسوية طائفية تحول دون تصدع النظام الطائفي القائم، ولاسيما أن الأزمة المالية العالمية قللت ضخ الأموال إلى القوى السياسية الطائفية التي تستخدمه بشكل أساسي لإحكام الهيمنة الطائفية. هذا التصدع المالي والسياسي أدى إلى تنامي الحالات الأصولية في البلاد، وإذا كان حزب الله يمثل التنظيم الشيعي الراديكالي فإن الأصولية السنية بدأت تنفجر بشكل ظواهر متفرقة بين صيدا جنوبا وطرابلس شمالا وفي المناطق البقاعية السنية، ولم يستثن من هذه الظواهر إلا قليل من المناطق السنية أبرزها بيروت. وقد استطاعت هذه القوى الأصولية جذب الجمهور الطائفي إليها أكثر من جمهور المؤمنين، فنرى في تظاهرات حزب الله الفتاة التي عُرفت بالسيدة الصفراء والمميز فيها أن ملابسها وسلوكها يتناقضان جذريا مع العقيدة الإسلامية لحزب الله. هذه الحالة نفسها نراها لدى الجماعات الأصولية السنية حيث نرى المشهد نفسه. وتقدم هاتان الفتاتان نموذجي تحول الجمهور الطائفي إلى التيارات الدينية المتشددة. أجزاء أخرى من جمهور القوى الطائفية أخذت مسارا مختلفا فدخلت إلى ميدان القوى العلمانية والمدنية من دون أن تتخلص نهائيا من رواسب الوعي الطائفي. وفي وقت تغذي وسائل الإعلام القوى الطائفية وورثتها من الأصوليات الدينية كانت القوى المدنية والعلمانية وصلت إلى موقع وزاري من خلال الوزير السابق زياد بارود القادم من المجتمع المدني إلى وزارة الداخلية والبلديات، وأصدر قرارا وزاريا سمح بموجبه بالغاء القيد الطائفي عن سجلات النفوس ليأت بعدها الربيع العربي وينال لبنان حظه من التحركات التي أنعشت المجتمع المدني في بلاد سيطرت فيها التركيبات الطائفية والعشائرية على الجمعيات وأبقت على طابعها الأهلي بدلا من المدني. والربيع العربي لم ينقل إلى لبنان النهضة المدنية فقط، بل نقل أيضا صعود الحركات الأصولية أيضا. ويبدو أن هذه الحركات الصاعدة في البلاد بدأت تعد نفسها وريثا للنظام الطائفي، في حين أن القوى الطائفية تحاول أن تستفيد من هذه الأصوليات لإعادة تثبيت نفسها. ومن هنا فإن الطرفين سيشكلان تحالفا قويا بمواجهة القوى الديمقراطية العلمانية الأكثر جاذبية لدى فئات واسعة من الشباب والشابات.
وإن كان من غير الممكن مواجهة القرار الجريء للعريسين سياسيا، إذ أحجمت رموز القوى السياسية الطائفية الكبرى عن دعمها لمشروع قانون زواج مدني، فان رجال الدين تولوا هذه المهمة بالنيابة عن الساسة، بل بتوكيل منهم، وهذا ما عبرت عنه مواقف المؤسسات الدينية الاسلامية. وقد عبر مفتي البلاد عن تنامي خطورة التيار العلماني الى حد وصف معه المتزوجين مدنيا بالمرتدين، وهو خطاب لم يعتده اللبنانيون. وبذلك يحاول المفتي أن يقمع أي مشاريع لعلمنة الكيان اللبناني ونقله إلى مستوى الدولة، وسيطرح تكفيره للمتزوجين مدنيا لاحقا المزيد من الأسئلة حول الحكم الشرعي للنظام الطائفي في البلاد، حيث أن رئيسها وقائد جيشها وحاكم مصرفها من الطائفة المسيحية. وبكل الأحوال فإن الفتاوى التي أُطلقت لم تثن عزم اللبنانيين العلمانيين، بل زادتهم إصرارا، فبدأوا بتنظيم عرس مدني لزوجين اثنين سيعقدان قرانيهما في ذكرى إندلاع الحرب الأهلية الطائفية التي اندلعت في الثالث عشر من شهر نيسان أبريل العام 1975.
ومع ذلك لا يتوهم أحد أن لبنان سيصبح دولة ديمقراطية علمانية في المرحلة المقبلة، إذ أن تحديات جمة تواجه القوى الديمقراطية العلمانية التي لا تواجه القوى الطائفية فقط، بل مشروع الأسلمة السياسية التي تحاول الدول الغربية فرضه على المنطقة، إضافة إلى إنعدام التنسيق وضعف الخبرة في مواجهة القوى الطائفية، ما يحتم على القوى العلمانية الديمقراطية تركيز جهودها لأنها ما زالت في بداية الطريق والمعارك الحقيقية لم تبدأ بعد.
* كاتب وإعلامي لبناني

No comments:

Post a Comment